بسم الله الرحمن الرحيم
معلوم أن التوراة في أصلها كلام الله تعالى المنزل على سيدنا موسى بن عمران عليه السلام، فهذا ما يؤمن به المسلمون دون التفريق بين كتاب وكتاب وبين نبيء ونبيء، بناء على قوله تعالى في سورة البقرة: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، (285). وإنما دخل احتمال التغيير والتبديل من كون أحبار اليهود تصرفوا في هذا الكتاب المقدس إما بتأويل عبارته حينا أو بالزيادة في اللفظ أحيانا.
ولكن هذا التغيير الحاصل في الكتاب لا يلغي يقيننا في أن في الكتاب شيء من وحي الله تعالى. فالإنسان المسلم يلمس بين الفينة والأخرى عبارات توراتية ضاربة في الصدق وباقية على أصل الوحي المتشابه مع ما جاء في القرآن الكريم؛ لأن كليهما خرجا من مشكاة واحدة وهي مشكاة الوحي.
من ذلك ما جاء في سفر الخروج (20/3-16) على لسان الرب قائلا: »3- لا يكن لك آلهة أخرى أمامي... 12- أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الارض التي يعطيك الرب إلهك. 13- لا تقتل. 14- لا تزن. 15- لا تسرق. 16- لا تشهد على قريبك شهادة زور...». مع ما جاء في القرآن الكريم في سورة الإسراء بداية من الآية 22، قال تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا... وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ... (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ... وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ... (34)}.
وقد تكررت نفس الوصايا في سورة الأنعام، وقد أشار فيها تعالى إلى لفظ الوصية (ذلكم وصاكم به...) للتوافق في التسمية مع الوصايا في التوراة أيضا، قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ... ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)}.
والملاحظ أن هذه التعاليم التوراتية والقرآنية جاءت متشابهة كمال التشابه في المعنى وفي الترتيب أيضا من حيث التصنيف. وهذا الجدول يبين ذلك مع الحفاظ على الترتيب التوراتي والقرآني كما جاء فيهما:
* ملاحظة:
اقتصرت في المقارنة بين القرآن والتوراة في هذا المحل فقط للتشابه الكبير بينهما من حيث المعنى والنظم والترتيب، وإلا ففي التوراة الكثير من التشريعات والأخبار التي تتوافق كمال التوافق مع ما جاء في القرآن الكريم كما يعلم المختصون. وهذا يؤكد أن اليد البشرية التي دخلت "الكتاب المقدس" لم تفسده كله من أساسه كما هو مشتهر عند العامة.
والله الموفق للصواب.
منقول