لقد سجل طلاب جامعة القاهرة أروع الأمثلة في مقاومة المحتل البريطاني في قناة السويس وسطروا بدمائهم الزكية أروع الأمثلة في البطولة والشجاعة، وممن ضحوا بأنفسهم في سبيل تحرير الأرض أحمد المنيسي.
مولده ونشأته
ولد أحمد فهمي المنيسي بمدينة فاقوس بالشرقية، وكان طالبًا بالسنة الثانية بكلية الطب جامعة القاهرة، وكان متفوقًا في دراسته برز في ميدان الجهاد حتى نال الشهادة[1].
أهم المعارك ودوره فيها
في صبيحة يوم 9/11/1951م وبعد أداء صلاة الفجر في كلية العلوم، اتخذ (30) شابًّا من شباب الجامعة مكانهم في عربة كبيرة، وانطلقت العربة بهم إلى قرية تقع إلى جوار (فاقوس)، مملوكة للأخ "إبراهيم نجم"-رئيس (الإخوان) بفاقوس- حيث استمر التدريب تحت قيادة المجاهد "حسن عبد الغني" لمدة أسبوعين، وبعد استكمال التدريب تم توزيع القوة على عدة مواقع، أهمها (القرين) و(أبوحماد) و(التل الكبير).
وكان هناك تركيز على معسكرات الإنجليز بالتل الكبير وبالذات طرق المواصلات المؤدية إليها، وأهمها القطارات، وجاءت هذه الفرصة في 12 يناير 1952م، هذا اليوم الذي شهد عمليةً واسعةً، بدأت عاديةً، ثم تطورت تطورًا لم يكن في الحسبان.
في صباح ذلك اليوم 12 يناير 1952م كان هناك بعض الشباب يلبسون الملابس الزرقاء، التي يلبسها عمال السكك الحديدية، ويضعون على رؤوسهم قبعات ضخمة، ويحملون على أكتافهم (مقاطف) من الخوص، معلقة على أطراف رافعات حديدية من تلك التي يستعملها العمال لإصلاح القضبان، ثم توقَّفوا عند نقطة على الحدود، وأخذوا يصلحون القضبان في تلك المنطقة، وبعد نصف ساعة تفرَّقوا عائدين إلى البلدة.
إلا أن أحدهم توقَّف على مقربة من المزارع، واختار نقطةً كثيرة الحفر وجلس فيها، وبعد أكثر من ساعتين ظهر قطار قادم على مهَلٍ، وحين أصبح مُحاذيًا للمنطقة- التي يجلس فيها صاحبنا -حرك هذا يده بقوة ضاغطًا على جهاز تفجير الألغام، فدوَّى انفجارٌ هائلٌ، وأخذت عربات القطار تنهار وتسقط على جانبيها، وأطلق حُرَّاس القطار النار في كل الاتجاهات، ولكن صاحبنا كان قد غادر المنطقة، وفي اليوم التالي جاءت مجموعةٌ من الجنود الإنجليز لإصلاح القضبان، وبينما هم منهمكون في العمل، إذا بالنيران تُطلق عليهم من بنادق الشباب الذي كان يختفي في الزروع المحيطة، فسقط منهم ثلاثة قتلى على الفور.
ولم يبادر الشباب إلى الانسحاب -كما هي العادة- ولكنهم استمروا في إطلاق النار، وما لبثت سيارات المعسكرات الإنجليزية القريبة أن اندفعت إلى ساحة المعركة، وقامت بعملية تطويق للمنطقة بأكملها لتمنع الشباب من الانسحاب والفرار.
ووصلت قوة العدو إلى كتيبة كاملة تؤازرها خمس دبابات وعدد من السيارات المصفَّحة، وبعد ساعات تمكن الإنجليز من محاصرة البلدة والمزارع المجاورة، ورغم أن الحصار قد ضاق على الشباب، واتضح أن لا نجاةَ لهم إلا بالتسليم، إلا أنهم استمروا في إطلاق النار واصطياد جنود العدو، حتى نَفِدت ذخيرتُهم تمامًا، واستُشهِد عددٌ منهم، ووقع الباقون في الأسر.
واستُشهد في المعركة اثنان من شباب (الإخوان)، وهما الشهيد "أحمد المنيسي" والشهيد "عمر شاهين"، واستُشهد معهما عدد (6) من الفلاحين والخفراء النظاميين، وعلقت الصحف البريطانية على المعركة فقالت صحيفة (نيوز كرونيكل): "إن المعركة إحدى المعارك الكبيرة التي ثبت فيها المصريون ولم يركنوا إلى الفرار، وقالت جريدة (الديلي ميرو): ظل المصريون يحاربون لواء (الكاميرون) و(الهايلاندرز) باستماتةٍ عجيبة[2].
استشهاده
جاءت معركة التل الكبير، وكان أول شهدائها. يصف أحدُ زملائه تلك اللحظات بقوله: "في هذه اللحظة الحرجة أقبل علينا زميلنا "علي إبراهيم" -وهو يزحف تحت وابلٍ من نيران العدو- وطلب منَّا رباطًا معقَّدًا؛ لأن "أحمد المنيسي" كان قد أصيب برصاصة، وتطوَّع زميلنا (إدوارد) بالمجازفة بحياته لإنقاذ "أحمد"، ولكن بعد فوات الأوان فقد لقي
الرجل ربه"، وجرت الأحداث سريعةً وخاطفةً، ووجدنا أنفسَنا بين يدَي العدو، ثم دفعونا بشدةٍ إلى مكانٍ بعيدٍ حيث وجدنا الشهيد "أحمد المنيسي" غارقًا في دمائه.
وسار أبناء (فاقوس) والشرقية في موكب وداعٍ حزينٍ يودعون الشهيد "أحمد المنيسي" وإخوانه الستة
في نفس الوقت الذي كانت القاهرة تودِّع رفيق جهاده "عمر شاهين"[3].
قالوا عنه
وصفه أحد إخوانه بقوله: " كان ملتزمَ الصمت والهدوء، وبرزَ كعملاق كبير يقف إلى جوار "عمر"، وكان لا يقل روعةً عن "عمر".. كان إنسانًا في كل تصرفاته، يملأُ الحبُّ قلبَه والرقة والصفاء، مع رجولة غامرة وشخصية قوية"[4].
[1] موسوعة الشهداء في العصر الحديث جـ1.
[2] موقع إخوان أون لاين، الرابط: http://www.ikhwanonline.com/.
[3] موسوعة الشهداء في العصر الحديث جـ1.
[4] المصدر السابق نفسه.
منقول