نشر الأستاذ طلعت رضوان مقالة جديدة أمس بعنوان: "ما حقيقة موقف سارتر من الصهيونية" على "الحوار المتمدن"، بعد مقالته الأولى: "سارتر ودفاعه عن الصهيونية" التى نشرت بجريدة القاهرة، يَعْدُل فيها عن موقفه فى المقالة الأولى كما يتبين من المقارنة بين عنوان المقالتين! فى المقالة الأولى وقف على رأى سارتر فى كتابه الذى ترجمته للعربية للمرة الأولى: "تاملات فى المسألة اليهودية" وانتقد بوضوح دعمه للصهيونية مع بعض الملاحظات منه على الترجمة وتأويلها! لكنه فى المقالة الجديدة يتخذ موقفا كليا مغايرا من الموضوع، فيدعى علينا وجود أحد كتب سارتر الأخرى: "اليهودى واللاسامية : بحث فى علم أسباب الحقد"؛ الذى يناقض ما جاء فى الترجمة ولم أرجع إليه فى دراستى، مثيرا التساؤل حول حقيقة موقف سارتر بين الكتابين المزعومين!
كما تحتوى المقالة الجديدة على الادعاءات المتعجلة وغير المدققة نفسها الموجودة فى المقالة الأولى، والتى عجزت فى التعامل مع مستويات تلقى النص ما بين: اللغوى، والفلسفى الاصطلاحى، والتاريخى، والسياسى، والدينى، فارتبك الكاتب تماما فى التعامل مع الترجمة بمستوياتها وطبقاتها المتداخلة.. بسبب آرائه الشخصية التاريخية المسبقة وفرضها على النص، وجرأته التى لم تتحصن بالخلفية المعرفية والعلمية والتخصصية اللازمة فى التعامل مع النص (التى ربما بسببها ظل النص غير مترجم طيلة سبعين عاما للعربية!)؛ لكى يطلق أحكاما تعتمد على المنهج الاجتزائى و"القص واللزق" ليثبت خصومة خسر فيها مع النص وترجمته!
فحاول الإتيان بفقرات حذف بعض أجزائها فى مقالته الأولى ليسقط عليها رأيه الشخصى فيتساءل عن معناها بعد حذفه المخل، ووضعها فى غير سياقها! وفقرات أخرى اجتزأ منها أيضا وأسقط خلفية سارتر الفلسفية فى التعامل معها، فتلقاها بفهم مشوه منبعه عجزه عن التحلى بالهدوء والروية، وقراره بأن يقاطع الدراسة النقدية التى قدمتها معتمدا على المصادر العبرية والعربية والإنجليزية، ليقع فى المغالطات والتشوههات التى ذهب إليها، بسبب محاولته القاصرة مقاربة النص من بعده اللغوى السطحى المباشر فقط، وإسقاط دلالة مفرداته الفلسفية وتجاهل سياقه التاريخى الثقافى المهم لوضع النص فى مساره ومكانة الصحيح!
كتاب واحد وعنوانان:
ولا أريد أن أصدم الصديق العزيز أ.طلعت بوصفه غير متخصص فى الموضوع؛ بأن الكتاب الذى استشهد به فى مقالة قد طالعها فى جريدة الأهرام كما ذكر (ولم يذكر عنوانها!)، وأورده فى مواجهة ترجمتى للكتاب..! غير موجود ومتخيل فى ذهنه هو فقط! ولا تتحدث تلك المقالة عن كتاب آخر إنما تتحدث عن الكتاب نفسه! وأنه ليس هناك كتابان إنما هما كتاب واحد! وما يحاول أن يستدعيه ليس سوى الانعكاس فى مرآة لم يتعرف عليه لتعجله، فخيل له أنه أتى بالجديد كله!
أجيال المعارك الكبرى والآراء المسبقة:
فى مستهل الحديث أريد الإشادة بالنموذج الذى يقدمه الأستاذ طلعت رضوان وأعطيه حقه، ككاتب يملك رؤية وموقفا خاصا يدفع به فى معظم المناسبات ويلبسه لكل السياقات والظروف..! وتلك حرية إنسانية مطلقة من لا يثبتها له يُشك فى نضجه العقلى وسوائه النفسى! لكن ما آخذه عليه وذلك قد ينصرف على نسبة ليست بالقليلة ممن عاصروا الحكايات الكبرى وانهيارها الصادم، أنهم يميلون للتنميط والتصنيف المتعجل دون استكشاف للعواقب التى قد تكون وخيمة وثقيلة بخيباتها!
بمعنى أنه قد حسم تصوره للعالم بشكل نهائى وكل ما (أو من) يقابله، يسعى لوضعه فى أحد هذه القوالب الأيديولوجية الجاهزة..! ويسقط عليه معاركه التاريخية وبعدها يشهر أسلحته القديمة ويعلن حربا مقدسة! ربما لا يدرك أن هناك حروبا جديدة، وأن تلك الأسلحة التى يستخدمها فى خطابه قد تقادمت وتجاوزها الزمن وقد توقعه فى شراك عتية! لذا سأحرص فى مقالتى هذه على الوقوف على مسافة فارقة وفاصلة، من تلك الأسلحة المتقادمة والمعارك الغابرة، وألتزم بعلميتى وموضوعيتى فى السجال والنقاش والمحاججة.
التسرع وغياب الخلفية المعرفية مجددا:
يستشهد أ.طلعت رضوان فى مقالته المذكورة بكتاب يقول أنه لسارتر يتناول موقفه من اليهود، ويقول أن اسم الكتاب: "اليهودى واللاسامية : بحث فى علم أسباب الحقد"، ويقول أنه صدر فى عام 1948، ويقول أن مصدره فى هذا الاستشهاد الذى بنى عليه تغيير موقفه من ترجمتى لكتاب سارتر المذكور عن مقالته الأولى، هو مقالة نشرت فى جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 15/11/1998، عبارة عن عرض قدمه المفكر اللبنانى الأستاذ محمد السماك!
وهنا يجب أن ألتمس العذر للأستاذ طلعت رضوان كغير متخصص فى الصراع العربى الصهيونى من جهة، وغير متخصص فى اللغويات أو علوم الترجمة من جهة أخرى! إن الكتاب الذى يتحدث عنه الأستاذ محمد السماك وقدم له عرضا فى الجريدة المذكورة ليس سوى كتاب: "تأملات فى المسألة اليهودية" نفسه! ولكن الأستاذ محمد السماك اختار عنوان الطبعة الإنجليزية للكتاب:
Anti- Semite and Jew: An Exploration Of The Etiology Of Hate
والتى صدرت فى طبعتها الأولى بالفعل عام 1948، لكن العنوان الأصلى للكتاب: تأملات فى المسألة اليهودية هو الذى استخدمته أنا نقلا عن الفرنسية : " Réflexions sur la Question Juive"
أزمة التخصص وغياب الأدوات الأساسية:
فى الواقع قد أشرت فى مقدمة الكتاب لعنوان الطبعة الإنجليزية الرئيسى وهو المعادى للسامى واليهودى؛ لكن لأن الأستاذ طلعت –وله العذر كغير متخصص- لم يلتفت للعلاقة بين العنوانين: "المعادى للسامى واليهودى"، و"اليهودى واللاسامية"، حيث تصرف السماك فى الترجمة ورأى أن يكون العنوان اللاسامية بدلا من المعادى للسامى او اللاسامى!
وهو حق أصيل لكل مترجم وفق السياق الذى يراه فيه معبرا عن فكرة الكتاب! وأى متخصص كان سيلفت انتباهه الصلة الواضحة بين العنوانين ويرجع للأصل الإنجليزى، ليكتشف أن الحديث عن كتاب واحد، وأن كتاب سارتر الذى تناول فيه المسألة اليهودية كتب عام 1944 بالفرنسية تحت عنوان: تأملات فى المسالة اليهودية، وترجم إلى الإنجليزية وصدر عام 1948 بعنوان: المعادى للسامى واليهودى، من ترجمة جورج. ج. بيكر George j.becker ، عن دار نشر Schocken books, New York .
معاداة السامية وجسر سارتر بين السياق الأوربى والعربى:
كما قد وقفت فى مقدمتى للترجمة بوضوح على العنوان الإنجليزى وفكرة معاداة السامية (ولا أدرى كيف لم يلتفت أ. طلعت لذلك)، وخطورة الجسر الذى صنعه سارتر فى العبور بفكرة معاداة السامية من السياق الأوربى وتمريرها إلى الصراع بين العرب والصهاينة! ورغم أننى قد ترجمت عن النسخة الإنجليزية؛ إلا أننى رأيت فى العنوان الأصلى لسارتر شمولية وعمومية، هما الأجدر بأن يجعلاه يتصدر مؤلفا بهذه الأهمية السياسية والتاريخية والفلسفية!
حيث قلت بالنص من داخل مقدمتى: " كما أن لترجمة هذا الكتاب وتناوله بالتحليل والدراسة أهمية إضافية، تبرز من خلال العنوان الإنجليزى الذى اختاره مترجم الكتاب إلى اللغة الإنجليزية: "المعادى للسامى واليهودى"، حيث قدم سارتر ربطا خطيرا بين: المسألة اليهودية فى أوربا وما اصطلح على تسميته بمعاداة السامية، الذى ارتبط بالصورة النمطية لليهود فى أوربا، ثم والأخطر ربط ذلك بالصهيونية واعتبر من يعادى الصهيونية معاديا لليهود ومضطهدا لهم! وهى المعادلة التى نلمح اثرها للآن فى الثقافة الغربية؛ من خلال ربط التصدى للممارسات الصهيونية العنصرية بما سمى: معاداة السامية التاريخية فى أوربا!"
الاندفاع فى القياس وارتباك المنطق:
ثم يقع الأستاذ طلعت ذلك الصديق العزيز، فى سقطة جديدة ومدهشة معتمدا على اكتشافه الذى يتوهمه بوجود كتابين واحد ظهر عام 1944 وآخر مغاير تماما ظهر عام 1948! فيندفع دون روية مفتعلا خصومة مع النص ودونما تدقيق علمى يتسلح به، ليقول بوجود تعارض بين الرأى الذى كونه عن مقاربة سارتر للمسألة اليهودية من خلال ترجمتى، وبين ذلك الكتاب المتخيل الذى اعتقد فيه واكتشفه وحده وأتى بما لم يأت به الأولون!
ولتزيده فى الخصومة مع النص واندفاعه غير المحسوب، أعماه ذلك على أنه ينظر لنص واحد، حتى انه أورد فقرة من مقالة السماك من الكتاب تقول وتؤكد نفس الرأى لسارتر وادعى أنها تعارض ما تقوله ترجمتى للنص! وهذه الفقرة تقول: "إنّ العامل الوحيد الجامع بين اليهود هو عداء المجتمعات المحيطة بهم وكراهيتها لهم"، والحقيقة أننى لم أجد فى الفقرة أى تعارض مع مقاربة سارتر فى الترجمة! لأنها من الكتاب ذاته الذى تخيل أ.طلعت أنه كتاب آخر.. !
ويبدو أن الأستاذ طلعت تعجل فى قراءة الكتاب وترجمته، أو ربما لم تمكنه ملكاته اللغوية –كغير متخصص- من التعامل مع النص ليكتشف أن الفقرة التى حررها السماك وأوردها فى مقالته، هى للمفاجأة موجودة فى ترجمتى ص 136 كاملة غير منقوصة!! لكنه لم يقرأ الترجمة بعناية كافية وحاول فقط أن يشهر فى وجه النص أسلحته التقليدية!
وهم الكتابين وافتعال التناقض للتشكيك فى الترجمة:
وفى ختام المقالة وفى ذروة للحبكة الغريبة والقصة المتخيلة من عندياته للكتابين؛ حاول أن يثير التناقض بوضوح واجتزاء وسوء تدليل وفساد منهجى ومرجعى، ليصل للهدف الذى يظن أنه وصل معه للنهاية العظيمة لتلك الدراما المسرحية التى يخاصمها العلم وأبسط قواعده، ليشكك فى ترجمتى للنص عن اللغة الإنجليزية قياسا باستشهاده بفقرة ترجمها السماك عن النص الإنجليزى نفسه! ذلك الذى خيلت له نفسه أنه لنص آخر وأنه ترجم عن الفرنسية!!
فيقول فى مقالته المذكورة: "إنّ كتاب سارتر الذى ترجمه حاتم الجوهرى، يـُـثير سؤالا غاية فى الأهمية : هل سارتر فى سنة1944 غير سارتر فى سنة1948 عندما أصدر كتابه (اليهودى واللاسامية : بحث فى علم أسباب الحقد) وكتب فيه ((إنّ العامل الوحيد الجامع بين اليهود هو عداء المجتمعات المحيطة بهم وكراهيتها لهم)).."
ثم يستطرد وهو على معتقده نفسه وظنه الحميد بوجود كتابين: "وأتمنى لو أنّ أحد القراء يـُـجيد اللغة الفرنسية أنْ يـُـترجم كتابىْ سارتر المشار إليهما فى مقالى، ليعرف القارىء حقيقة الأمر: وهل كان سارتر مع الصهيونية ومؤيدًا لها عام 1944، ثـمّ تغيـّـر رأيه فى عام 1948؟"
وذلك دون أن يعى أ.طلعت كغير متخصص وغير مدقق فيما يقول لغويا وموضوعيا أنه يتحدث عن كتاب واحد، وعن نسخة واحدة باللغة الإنجليزية فى الأساس!!
مقالة السماك وتوظيف الكراهية والاضطهاد وتاكيد فكرة الكتاب:
وفى واقع الأمر تدور مقالة الكاتب والمفكر اللبنانى أ.محمد السماك، حول فكرة تؤكد معنى الكتاب ولا تناقضه أبدا كما توهم أ.طلعت رضوان! المقالة بالمناسبة نسى الأستاذ طلعت رضوان أن يشير لعنوانها وهو: "معنى الهجرة اليهودية"، ونشرت فى باب: "الكتاب" بجريدة الأهرام بتاريخ الأربعاء 25 نوفمبر 1998، العدد رقم 40896، وفكرة المقالة تدور حول توظيف الصهاينة فكرة الكراهية والاضطهاد التاريخى المفترض الذى تعرض له اليهود (مستشهدة المقالة بسارتر ومؤلفه)؛ لدعم وجود إسرائيل والترويج للهجرة إليها كملاذ أخير ليهود العالم المضطهدين كما تروج الصهيونية! وتفصل المقالة بين يهود العالم وهجرتهم المستهدفة وبين يهود امريكا ودروهم فى الدعم المالى والمعنوى! إذن أين فى محتوى المقال وفكرته يوجد تصور أ.طلعت المتخيل والمتوهم عن تناقض مع فكرة الاضطهاد، كعنصر محدد للهوية الوجودية اليهودية أولا والصهيونية ثانيا كما قال سارتر!
وبالإضافة إلى أنه نسى أن يُورد عنوان المقالة ويتبع سبل التوثيق والتحقق العلمى المفترض فى التعامل مع مثل هذه القضايا العلمية والفكرية الثقيلة؛ فإنه اقتبس فى موقع آخر من المقالة دون ان يشير لذلك حين قال تأكيدا على فكرة سارتر: "وبينما سارتردافع عن (السامية) فإنّ العالم أينشتاين ذكر فى كتابه (حول الصهيونية- خطابات ورسائل) الصادرعام1931((إننا ندين للسامية بالمحافظة على وجودنا واستمرارنا)) أى أنّ رفض (السامية) سبب المحافظة على الوجود الإنسانى. "...
والمعضلة الأبرز هنا أنه تعمد الكذب فى الاستشهاد من المقالة أو ربما عقله اللاواعى هو الذى دفعه لذلك! فالفقرة التى اقتبسها من المقالة –دون ان يشير لذلك- للمفاجاة ليست كما أوردها وإنما يقول أينشتين أنهم يدينون بوجودهم للاسامية أو أعداء السامية واليهود والاضطهاد من قبل العالم، وليس كما قال أ.طلعت رضوان يدينون للسامية بذلك! فالأصل فى مقالة السماك يقول: "حتي أن ألبرت أينشتاين يقول في كتابه حول الصهيونية خطابات ورسائل الذي صدر في عام1931: إننا ندين إلي اللاسامية في المحافظة علي وجودنا واستمرارنا."
وهو هنا أيضا لم يفهم سياق المقالة وربما لم تمكنه خلفيته المعرفية او آرائه المسبقة من ذلك؛ فالسماك يطرح فكرة واضحة لا لبس فيها، مفادها أن العداء للسامية والاضطهاد والآخرين والعالم والمجتمعات الأخرى هم مصدر قوة ودفع للصهيونية وإسرائيل، ويستشهد على ذلك بموقف سارتر وأينشتين! لكن منهج الاجتزاء ومحاولة تجميع القصاصات وغياب التعامل مع النصوص بجدية وعلمية وموضوعية؛ أوقع ذلك كله أ.طلعت رضوان فى سقطات ومغالطات وتشوهات علمية فجة متكررة؛ ليس لشىء سوى أنه قرر مجددا الهجوم على جهد علمى وموضوعى قائم بذاته، وذلك بعد سجالنا الأول وهجومه على اطروحتى: خرافة الأدب الصهيوونى التقدمى، التى حصلت على جائزة ساويرس فى النقد الأدبى عام 2014 وردى عليه ردا علميا هادئا فى حينه على صفحات مجلة "مختارات إسرائيلية"!
منهج ترجمتى للكتاب ووضع النص فى سياقه التاريخى:
لذا إثباتا للموضوعية والعلمية أشير لمنهجى فيما يخص ترجمة الكتاب والنص ذاته، حيث توزع عملى فيها على عدة أقسام؛ وهى: الترجمة – التعليق – التحقيق؛ بداية كان التعليق يدور معظمه فى محورين، أولا: توضيح السياق التاريخى لفكرة ما إذا طرحها سارتر دون بيان لعلاقتها بالموضوع أو دلالتها فى المتن، ثانيا: تسليط الضوء على نقطة ما لها دور مهم فى توضيح أطروحة سارتر ووجهة نظره، ولم يكن ذلك واضحا بالشكل الكافى فى المتن، وأحيانا لفت الانتباه لتناقض ما أو فكرة ما فى معرض حديث سارتر فى الكتاب. كما يجدر الإشارة إلى أننى اكتفيت بترجمة متن النص الذى كتبه سارتر كما هو فى الأصل الفرنسى، ولم أترجم المقدمة التى أرفقتها دار النشر الأمريكية لكتاب سارتر؛ استنادا إلى الدراسة التى قَدمتُ بها للكتاب.
تحقيق الترجمة وخلفية الثقافة الفرنسية:
أما التحقيق فدار معظمه حول أسماء الأعلام والوقائع والأحداث الشهيرة التى ذكرها سارتر؛ فاهتممت بالبحث عن أسماء الأعلام وتقديم التعريف للشخصيات التاريخية التى استعان بها سارتر فى معرض حديثه ودلالة ذلك فى سياق الحديث، وكذلك أسماء المدن والأحداث والوقائع التى دارت فى تلك الفترة.. والحقيقة أن هذا الجزء من عملى فى الترجمة أخذ جهدا وتركيزا شديدين، لاعتماد سارتر على بيئة الثقافة الفرنسية فى استشهاداته، وكثرة ذكره لأمثلة من مختلف فترات فرنسا التاريخية، وكذلك اعتماده على وقائع وأحداث جرت إبان وأثناء الحرب العالمية الثانية؛ تطلبت تدقيقا خاصا لتحقيق سياقها وبيان مجرياتها.
سارتر وسماته اللغوية والأسلوبية:
بشأن الترجمة حاولت قدر المستطاع أن أيسر أسلوب سارتر للقارئ العربى، وأن أحافظ على جملته وأسلوبه، هذا على الرغم من اعتماده على الجمل الطويلة والعرض المتراكب المتراتب، عن طريق الجمل التى تفضى كل منها للأخرى فى بناء وعرض أفكاره، ووضعها داخل إطار فلسفى منطقى عقلى يشبه البناء الهندسى كثيرا، وحاولت الإشارة إلى بعض السمات الأسلوبية لديه؛ كأن يستخدم "لزمة": هذا هو، للتوضيح والتأكيد ولفت الانتباه، وأن يستخدم ضمير المخاطب، ويوجه حديثه للقارئ فجأة لجذب انتباهه ووضعه داخل دائرة الموضوع المطروح للنقاش، كذلك استخدامه للجمل الاعتراضية والوصفية كثيرا.
خاتمة :
عن النص وتحول الصهيونى
من الحرية الوجودية إلى العدمية والأزمة
لم يلتفت سارتر إلى خطيئته عندما سلب الحرية الوجودية من الفلسطينى، الحرية الوجودية المفترضة تعنى أن يكون للإنسان الحق فى الاختيار فى موقف حر، لكن الوجود الصهيونى سيجعل الفلسطينى أمام موقف وجودى وحيد غير متعدد لا يملك أمامه حرية الاختيار، سيجعله يقف فى موقف المدافع عن أرضه، الذى لا يحمل فى الحياة هما سوى استعادتها واستعادة حريته الوجودية التى سلبها منه سارتر بدعمه للصهيونية على أرض فلسطين!
لقد أعطى سارتر لليهودى حقا لوجود حر مفترض ومتخيل فى ذهنه، على حساب سلب الحرية الوجودية للفلسطينى، الذى لم يعد أمامه من هدف فى الحياة إلا هدف وحيد لاستعادة حريته المسلوبة..
ربما ينكمش الفلسطينى/ العربى حاليا فى الجغرافيا والمكان وتضيق به الأرض؛ لكنه يتمدد فى الزمن ويكمن فى ذاكرته الواسعة، تلك التى ستسترد ما لها فى يوم ما مؤجل –ربما الآن– لكنه كامن بكل تأكيد، وذاك المنكمش حاليا سيضع الذكرى فوق الذكرى، ويختزن الجرح على الجرح.
--------------
منقول