صادف يوم السبت الثاني من نوفمبر الذكرى السادسة والتسعين لـ"وعد بلفور" الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور عام 1917م، وعرف فيما بعد باسمه، وقطع بموجبه وعدًا يقضي بتأييد حكومة الانتداب البريطانية لإنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين"، وكان مقدمة لنكبة فلسطين.
ويشكل هذا الوعد المشئوم -الذي تبلغ عدد كلماته نحو "60 كلمة"- الأساس الذي انطلقت منه السياسة البريطانية عقب انتصارها على تركيا في الحرب العالمية الأولى ودخولها إلى فلسطين؛ لتعلن الانتداب عليها، الذي استمر من عام 1918 حتى عام 1948م.
وعلى مدى ثلاثين عامًا من الانتداب طبقت بريطانيا وعدها على أرض الواقع وترجمته إلى حقائق على حساب الشعب الفلسطيني إلى أن انتهى الأمر بإقامة دولة إسرائيل في الخامس عشر من مايو 1948م على الجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخية؛ وفي المقابل تم اقتلاع مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم، وتحولوا إلى شعب مهجر منفي خارج حدود وطنه التاريخي، وما زالت نكبتهم قائمة حتى الآن، على الرغم من أنهم كان يشكلون 95% من مجموع سكان فلسطين حينما صدر الوعد مقابل 5% لليهود.
ويُحْيي الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات هذه الذكرى الأليمة بمسيرات حاشدة ومظاهرات غاضبة؛ تنديدًا بهذه الجريمة الاستعمارية، وتأكيدًا لتمسكهم بأرضهم وبحقهم في العودة لمنازلهم وقراهم ومدنهم التي هجروا منها.
ودأب الفلسطينيون على وصف وعد بلفور بـ "الوعد المشئوم.. ووعد من لا يملك لمن لا يستحق".. ومن ضمن أوصافهم -أيضًا- "أكبر جريمة سياسية شهدها التاريخ المعاصر"، و"جريمة ضد الإنسانية"، و"ظلم تاريخي أوقعته قوة استعمارية انتدبت على فلسطين"، و"بداية مأساة ونكبة الشعب الفلسطيني".
ويقول النائب الدكتور جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار في قطاع غزة لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط في غزة: لا يضيع حق وراءه مطالب، حقوقنا جلية وواضحة، وعلى الرغم من وعد بلفور ونتائجه الكارثية فإن حقنا في الحياة والعيش في أرضنا ثابت لن يتزحزح، ولن يتغير مهما طال الزمن، ورغم أنف الاحتلال ومخططاته التهويدية والاستيطانية في القدس والضفة الغربية وحصاره لقطاع غزة".
وأكد الخضري أن على المجتمع الدولي والقوى المحبة للسلام تصحيح هذا الوضع الخاطئ من خلال اتخاذ مواقف عملية تبدأ بالضغط الحقيقي على الاحتلال؛ لإجباره على الانسحاب من الأراضي المحتلة، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وحقه في العيش حرًّا آمنًا مطمئنًا، وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف، وحق اللاجئين بالعودة وفق قرارات الشرعية الدولية.
وطالب الدول العربية والإسلامية بضرورة اتخاذ مواقف واضحة في دعم القضية الفلسطينية، وتثبيت الحقوق الفلسطينية، واستخدام مختلف أوراق الضغط السياسية والاقتصادية التي تملكها في هذا الاتجاه.
وحول المفاوضات الدائرة حاليًّا بين السلطة الفلسطينية ودولة الكيان الصهيوني، قال الخضري: "لا جدوى من هذه المفاوضات لعدم تكافؤ الفرص وانعدام نزاهة الوسيط الأمريكي، وانحيازه الكامل للاحتلال، مستغلاًّ عدم امتلاك المفاوض الفلسطيني أوراق ضغط في مواجهة الطرف الإسرائيلي". مؤكدًا أن ازدواجية المعايير والتعامل مع دولة الاحتلال كدولة فوق القانون منهج يكرس جريمة "وعد بلفور" بحق الشعب الفلسطيني.
وفي ذكرى وعد بلفور كل عام تُحَمِّل الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية بريطانيا المسئولية الكاملة عن هذه الجريمة البشعة بحق الشعب الفلسطيني؛ مشددة على أن الحقوق الفلسطينية لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن.
وتتعالى الدعوات لمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني المحلية والدولية لرفع الدعاوى القضائية أمام المحاكم الجنائية والدولية على الجرائم السياسية والجنائية، التي ارتكبتها حكومة بريطانيا وحكومة الاحتلال، والعصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني باعتبارها جرائم حرب؛ كما يطالب الكثيرون بريطانيا أن تكفر عن جريمتها الكبرى وأن تعتذر للشعب الفلسطيني، وتقدم كافة أشكال الدعم السياسي والاقتصادي للقضية الفلسطينية.
بدوره يقول المحلل السياسي مصطفى الصواف لوكالة أنباء الشرق الأوسط: إن فلسطين من البحر إلى النهر هي أرض الشعب الفلسطيني وحده بلا منازع، وإن وعد بلفور أعطاها لمن لا يستحق، وكان الهدف منه إرضاء اليهود والتخلص من العقدة اليهودية في أوربا.
وأوضح أن بريطانيا تتحمل المسئولية الأولى والكاملة عن هذه الجريمة البشعة بحق الشعب الفلسطيني وبحق الإنسانية؛ كونها كقوة انتداب آنذاك شرَّعت الاحتلال، وساعدت على هجرة اليهود إلى فلسطين، وشجعتهم على ارتكاب الجرائم والمجازر ضد الفلسطينيين الأبرياء، كما باعت لهم أجزاء كبيرة من الأراضي الحكومية، ودعمتهم بالسلاح في مواجهة الفلسطينيين العزل، ثم الجيوش العربية في حرب 1948م.
ولخص الصواف المشهد الحالي قائلاً: اليوم فلسطين شبه ضاعت بوعد بلفور، ثم بالاعتداءات والممارسات الصهيونية الممنهجة، وسرطان المستوطنات، ومخططات التهويد في الضفة الغربية والقدس والمفاوضات العبثية المستمرة منذ 20 عامًا دون نتائج، وأخيرًا بالتخلي العربي والإسلامي عن دعم قضية فلسطين باعتبارها القضية المركزية للأمة.
وقال الصواف: إن المفاوضات بنيت على أساس التنازل عن حق الشعب الفلسطيني في كل فلسطين، والاكتفاء بإقامة دولة في الضفة والقطاع على 22% من مساحة فلسطين التاريخية، وحتى هذه النسبة لم تسلم من المساومات والابتزازات الصهيونية.
واعتبر أن المفاوضات تضيف إلى الجريمة التي ارتكبها بلفور في عام 1917 ولم تجلب إلا العار والمزيد من الجراح والمعاناة، وضياع الحقوق، والتشريد، وإضافة نكبات جديدة إلى الشعب الفلسطيني.
ووعد بلفور هو الاسم الشائع المطلق على الرسالة التي أرسلها وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 من نوفمبر 1917م إلى اللورد ليونيل روتشيلد (زعيم الطائفة اليهودية في إنجلترا) وقال فيها: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًّا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
وشدد المحلل السياسي مصطفى الصواف على أن الشعب الفلسطيني رغم وعد بلفور والتحديات والمخططات التي تستهدف وجوده وقضيته صامد ومتمسك بأرضه وما زال لديه إيمان ويقين راسخ بأن المقاومة هي السبيل الوحيد للتحرير، وأن معادلة القوة قابلة للتغيير، كما أنه مؤمن بأنه جذوة متوهجة للمقاومة بانتظار توحد الأمة وتحركها لتحرير فلسطين.
وأوضح أن كل الفلسطينيين الذين أجبروا بالقتل والتنكيل من العصابات الصهيونية على الهجرة من مدنهم وقراهم عام 1948م ما زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم ويسلمونها لأولادهم جيلاً بعد جيل بانتظار العودة، مؤكدًا أن الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني ضد التنازل عن حق العودة.
وتفيد تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بأن عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بلغ حتى منتصف عام 2013م نحو 4.42 مليون نسمة، منهم 2.27 مليون نسمة في الضفة و1.7 ملايين في القطاع.. فيما تشير إحصاءات غير موثقة إلى أن عدد الفلسطينيين في الشتات يصل إلى نحو 7 ملايين نسمة.
وحول إمكانية مقاضاة بريطانيا بسبب وعد بلفور، قال الصواف: إن الشعب الفلسطيني ما زال ضعيفًا، والأمة العربية متفرقة، وعلى الرغم من ذلك ليس من المستبعد مقاضاة بريطانيا والدول التي أيدت هذا الوعد، وكل المتورطين في معاناة الشعب الفلسطيني وضياع حقوقه على مدى الـ 96 عامًا الماضية.
واستطرد قائلاً: هذه القضية لن تسقط بالتقادم، وسوف يأتي اليوم الذي سيقاضي فيه الشعب الفلسطيني بريطانيا حينما يتمكن من استعادة بلده وتحريرها من الاحتلال.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط
منقول