لقد جاء والدها الكبير في السن قادما من المزرعه متأخرا في احدى الليالي..
وكان متعبا جدا اثر الطريق الطويل الذي قطعه علما بأنه هو سائق نفسه..
هرعت الفتاة مسرعه نحو غرفة والدها كي تجهز له سريره..ليرقد عليه..وبعد ان اغتسل ولبس ملابسا غير تلك التي كان يرتديها توضأ وصلى ركعتين لوجه الله..ولما فرغ من صلاته اخذت ابنته بيده الي فراشه بعد أن أتكأ عليها..
عندما تمدد والدها سألته:هل تناولت عشاءك؟
قال:سأخلد للنوم..وان كان لنا حياة لغد ان شاءالله سنأكل
قالت:ولكن لايصح أن تنام دون ان تتناول شيئا..فأشار لها موحيا لها بانه لايرغب بشيء
قالت له ابنته:مارأيك بكأس من اللبن...(ابتسم والدها ولم يجيبها)
سعدت الفتاة بذلك وذهبت مسرعه نحو المطبخ تناولت كاسا ووضعت به اللبن ونظرت اسفل الثلاجه ووجدت سله مليئه بالرطب واستلذت لوالدها سبع تمرات ووضعتها في طبق وخرجت مسرعه
نادتها اختها الصغيره قائله لها:تعالي بسرعه وانظري الي هذا!!
ومالبثت ان ذهبت اليها اختها وقالت ماذا تريدين اني على عجله من امري
قالت الاخت الصغرى:لاعليك خمس دقائق لن تاخذ من وقتك الشيء الكثير تعالي وانظري المجرم سوف يقتل بطلة الفيلم .. كانت الاخت تتابع فيلما في جهاز التلفاز..وقفت الاخت الكبرى وهي تمسك كاس اللبن والتمرات بيدها ولم يتسن لها ان تجلس بل ظلت واقفه على ذلك يعجل من المشهد المرعب..خمس دقائق ثم انتهى ذلك المشهد..اعتدلت الاخت الصغرى في جلستها وكانها مرت بموقف صعب لم تكن تعلم كيف تخرج منه..ثم استطردت انفاسها قائله:سأحكي لك قصة هذا الفيلم ..في الحقيقه هذا...
ولم تكمل حديثها بل قاطعتها الاخت الكبرى قائله لها :انتظري قليلا سأذهب لوالدي اعطيه كاس اللبن هذا ثم اتيك لتقصي علي الفيلم..وذهبت مسرعه اتجاه غرفة والدها وهناك وجدت والدها ساكنا ..اقتربت منه فوجدته قد نام ..لم تكن تفكر بان توقظه..لولا انها تذكرت ابتسامته لها بانه يرغب بشرب كاس اللبن..
قالت لنفسها:سوف اوقظه كي يشرب اللبن ثم اتركه ينام ملىء جفنيه..وبدأت بخفه تضع يدها على كتفه وتقول له بصوت مرهف:أبي .. ؟أبي.. أبي فلم يجبها..؟
أعادت النداء عليه ولكن هذه المره بصوت مرتفع قليلا ولم يجبها ايضا..رفعت صوتها اكثر وقالت:أبي هل تسمعني لقد جئتك بكاس لبن بارد ولذيذ وبضع تمرات طيبة أبي..أبي..
اغرورقت عيناها..فبدأت تهز والدها بقوة وتقول:انها خمس دقائق يا والدي..خمس دقائق تفرق بيننا..والله ماكنت اقصد بتأخري انها زينب ..هي أخرتني..
أبي..أرجوك..لاتمت وانت غاضب علي أرجوك..
وسار الحزن في الأجواء..تخلله شهقات الاسف والحسرة..
اسف وحسرة ليست على حال الوالد...لا...بل هي تعلم بأن والدها رجل خير..
وان شاءالله سيتوفاه برحمته..التي تعلو كل رحمة..
لكنها تبكي ح*** لحالها فلقد حرمت نفسها من أن تبر بوالدها في آخر لحظه من حياته فنزعت من نفسها اجرا كاد يكتب لها .. اللهم لا اعتراض على حكمتك وقضائك وقدرك..
انما اعتراض على حالنا..فنحن نتهاون بالساعات والأيام والشهور والسنين..دون ان نفيق من غفلتنا..
فهذه خمس دقائق وقفتها امام منتزع البركات ذلك الملهي (التليفزيون)..فارق فيها والدها الحياة دون وداع...