بسم الله الرحمن الرحيم.
من ظنّ منا أنه قد يفهم القرآن الكريم كله أو جله انطلاقا من تلاوته له فقط، وبهذه اللغة التي عنده، (لغة الصحافة الممزوجة برطانة العجم، وهي لغة جميع العرب اليوم للأسف) فقد وهم وأخطأ التقدير.
وإن أردت -أخي الكريم- التأكد، فأنا أطلبُ منك أن تنظر بفهمك في معاني هذه الآيات الآتية بدون الرجوع إلى التفسير، ثم بعد ذلك راجع التفسير وأخبرنا هل وجدت ما خطر ببالك لأول وهلة أم خلافه؟ وهي آيات فيها كلمات متداولة مشهورة معروفة عند الجميع. (ولم أذكر هنا كلمات جزْلة وغريبة عن الاستعمال المتداول):
1- ما معنى كلمة "النجم" في قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} (الرحمن:6)؟
2- ما معنى كلمة "وحرام" في قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} (الأنبياء: 95)؟
3- ما معنى كلمة "فما فوقها" في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا...} (البقرة: 26)؟
4- ما معنى كلمة "وجبت" في قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (الحج: 36)؟
5- ما معنى كلمة "نقدر" في قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ...} (الأنبياء: 87)؟
والآن بعد التمعن في هذه الآيات بدون الرجوع إلى التفسير لا شك أنك فهمت هذه الآيات بما يتبادر إلى الذهن أول مرة من المعاني المشهورة المعروفة لدينا. فراجع معنى هذه الكلمات في التفاسير لتدرك المفاجأة.
طبعا بعد البحث والرجوع إلى التفسير، (ولْنأخذ على سبيل المثال تفسير ابن عطية الأندلسي الشهير)، فإننا سوف نجد أن معنى "النجم" في الآية الأولى هو نوع من الأعشاب، وليس النجم الذي في السماء، وهو المعروف في الدارجة المغربية عند أهل البوادي ب"النْجْم"، وهو نفس المعنى الذي في الآية ولا شك، لذلك عُطف عليه لفظ "الشجر"(1).
وسوف نجد أن معنى كلمة "وحرام" في الآية الثانية تعني "وواجب" أو"وحتْم"(2) وليس التحريم.
ومعنى كلمة "فما فوقها" في الآية الثالثة هو: "فما تحتها"، يعني عكس المعنى المتبادر إلى الذهن(3).
ومعنى كلمة "وجبت" في الآية الرابعة: سقطت(4).
ومعنى كلمة "نقدر" في الآية الخامسة هو: "نضيّق"، من فعل "قدر" بمعنى ضيّق وليس بمعنى استطاع(5).
فهذه بعض الأمثلة مما حضر على البال في هذه اللحظة، وغيرها كثير مما لا نستطيع فهمه إلا بالرجوع إلى التفسير، بل قد نفهم عكسه بهذه اللغة البسيطة: لغة الصحافة.
وأنا على يقين أن من يعرف معاني هذه الآيات إنما قد سبق له أن اطلع على تفسيرها أو سمعه، وإلا فيبعد أن يصل الواحد منا اليوم إلى المعنى المُراد بمجرد الاعتماد على هذه اللغة الصحافية.
والله تعالى الموفق والمسدد.
منقول