في سنة 1432م كان مولد حسن بن حسين الطولوني من أسرة يرجع أصلها إلى زمن الدولة الأيوبية ترجيحًا، واشتغل كثير من أبناء هذه الأسرة بالهندسة والمعمار، فكان منهم غالبًا "معلم المعلمين" أو "معلم المعمارية" كما ذكر صاحب النجوم الزاهرة؛ وهو كبير المهندسين في مصطلح الدولتين الأيوبية والمملوكية بمصر، وعليه المعمول في العمائر السلطانية.
واستقام الخطُّ المادِّيُّ تمامًا لهذه الأسرة أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، حين تزوَّج السلطان برقوق من أخت كبير المهندسين أحمد ابن الطولوني، ثم من ابنته بعد طلاق عمتها.
وأحمد هذا جدُّ حسن بن الطولوني، فلما جعله السلطان برقوق من أمراء المماليك برتبة أمير عشيرة، تزيَّا بزي الأتراك، وصار بذلك رجل أعمال ناجحًا، وظلَّ على إمرته ووظيفته حتى وفاته سنة 1398م، وهي السنة التي مات برقوق فيها.
لقد نشأ حسن الطولوني على مهنة آبائه، ودرج في عزِّهم وجاههم، وإن كانت المراجع التي اعتمدت عليها لا تُصَرِّح البتة بصدد حسين أبي حسن بن الطولوني صاحب هذه الترجمة هنا، وربما كان كذلك من رجال المعمار، مع ميل إلى الفقه والتاريخ والأدب والغناء والفروسية، وهو ممَّنْ عدَّهم السخاوي من تلاميذه في التاريخ، ويظهر أنه اشتغل بوظيفة معمارية صغيرة في أول أمره، ثم وقعت الفتنة التي أدَّت إلى اعتلاء سيف الدين إيناك (1453-1460م) عرش الدولة المملوكية بعد الإطاحة بعثمان بن جقمق؛ الذي لم يكمل العالم في الحكم بعد وفاة أبيه، وواضح من أحداث هذا الانقلاب أن حسن بن الطولوني أشرف بنفسه على حصار قلعة الجبل حتى أسلمت، فجزاه إيناك بأن عيَّنه على وظيفتي معلم المعلمين وإمارة المحمل.
وشغل المعلم حسن الطولوني الوظيفة الأولى من هاتين الوظيفتين سبعة عشر عامًا، تخللتها عهود السلاطين (أحمد بن إينال - خشقدم - بلباي - تيمور بغا - خيربك (سلطان الليلة الواحدة) - فايتجاي) حتى سنة 1469م، وعُزل عنها فجأة لسبب لم تذكره المراجع، ثم أعاده قايتباي إلى تلك الوظيفة بواسطة من الأمير يشبك بن مهدي الدوادار، فقام على عمائر السلطان خير قيام، ومنها جامع الروضة المعروف بـ(المقسي) على شاطئ النيل، وهو الجامع الذي تم بناؤه سنة 1490م، وأفتى السيوطي يومها نكاية في قايتباي بأن الإجماع منعقد على منع البناء على شطوط الأنهار الجارية.
وظلَّ حسن الطولوني متمتعًا برضى قايتباي، وحظي عنده بالدرجة الرفيعة، والمنزلة العالية؛ بل أصبح وسيلة الناس لديه، وسكن الروضة حيث الجامع السلطاني، وأقام به الوقدات الحافلة ليلة الرابع عشر من كل شهر، وأحضر حسن الطولوني لذلك قرَّاء القاهرة ومؤذِّنيها ووعَّاظها، وحجَّ ابن الطولوني سنة 1492م موسميًّا، ورافقه السخاوي في ركب هذا العام، فرأى من خير معلم المعلمين وإحسانه وحُسن هيئته ما لم يجد له نظيرًا بين حاج تلك السنة.
ثم توفي السلطان قايتباي سنة 1495م، فظلَّ حسن الطولوني على وظيفته؛ بل ولاَّه السلطان محمد بن قايتباي نيابة القلعة كذلك، فوجده خادمًا مخلصًا لقيامه بتحصين القلعة تحصينًا عظيمًا أثناء فتنة الأمير قانصوه خمسمائة الذي عزل ابن قايتباي وتولَّى بدله مدة ثلاثة أيام فقط!!
ولحسن الطولوني كتاب: (النزهة السنية في ذكر الخلفاء والملوك المصرية)؛ وهو مختصر يبدأ بتاريخ ظهور الإسلام، وينتهي بحوادث السلطان طومان باي آخر سلاطين المماليك في مصر، والراجح أن له كتابًا ثانيًا في التاريخ على صورة المذكرات أو اليوميات؛ غير أنه لا يُوجد ما يدل عليه حتى الآن سوى قول ابن إياس في ترجمة ابن الطولوني: "أنشأ تاريخًا لضبط الوقائع". (بدائع الزهور: 3/107)، وأكبر الظن أنه مدفون في مجموعة من المخطوطات الموسوعية التي تملأ مكتبات العالم، ولحسن ابن الطولوني عدا ذلك شرح مقدمة أبي الليث، وشرح الأجرومية.
لقد عاش حسن بن الطولوني حتى سنة 1517م؛ أي أنه أدرك الفتح العثماني لمصر والشام؛ غير أنه عَمِيَ قبل ذلك بمدة طويلة، وعُزل عن وظيفته المعمارية، واستقرَّ فيها بعده ابنه شهاب الدين أحمد، ثم ذهب أحمد هذا مع فئات المعلمين (المهندسين) والصناع الذين حملهم السلطان سليم الأول العثماني من القاهرة إلى إسطنبول التركية، ليقوموا له هناك بمثل ما رآه بعاصمة المماليك من المباني والعمائر، ثم رجع مع الراجعين من المصريين حنينًا إلى القاهرة بإذن السلطان العثماني.
ولابن إياس في بدائع الزهور (5/224-228) ثبت يستغرق أربع صفحات كاملة من تاريخه الكبير، فيه أسماء أولئك المعلمين والمهندسين؛ الذين ذهبوا إلى إسطنبول ثم عادوا إلى القاهرة الأم بعد قليل، وفيه أسماء غيرهم من الشخصيات الكبرى والصغرى، وأولهم الخليفة المتوكل العباسي.
منقول