مما لا شك فيه أن الصحابي الجليل عبد الله بن سعد بن أبي السرح كان بطلًا من أبطال الإسلام الأوائل، وقائدًا فذًا من القادة المعدودين؛ فقد شارك المسلمين في فتح الشام، وأظهر بينهم مقدرةً عسكرية فائقة، وأسهم في نشر الدين الحنيف في ربوعها. ولما تجهزت جيوش عمرو بن العاص لفتح مصر لحق بها، ووضع بين يدي قائده ابن العاص كل إمكاناته العسكرية، فاستفاد عمرو من خبرته وعينه قائدًا على ميمنة جيشه. وقد ربط ابن أبي سرح فتوحه بكشوفه لعوالم لم يعرفها المسلمون قبله. فكان رحَّالةً غازيًا إلى جانب قيادته للجيوش. أظهر براعته وقيادته في تغلغله بلاد النوبة وفي مجاهل ليبيا والمناطق النائية في الشمال الإفريقي، فضلًا عن جهاده البحري، وانتصاره في عرض البحر لفتح قبرص، وبراعته في معركة ذات الصواري.
نسب عبدالله بن أبي السرح وأسرته
هو الأمير قائد الجيوش أبو يحيى عبد الله بن سعد بن أبي السرح بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن مالك بن حسْل بن عامر بن لُؤي القرشي العامري. أمه مَهَانَةُ بنت جابر من الأشعريين. وَلَدَ عبدُ الله بن سعد: محمدًا، وأُمُّه بنت حمزة بن السرح بن عبد كلال، وعياضًا لأم ولد، وأُمُّ كلثوم وأمها مِنْ حِمْيَر، ورَمْلةَ وأمها أم سعيد بنت نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأُمَّ جَمِيل، ودعدَ، وأمَّ الفضل، وأُمَّ عَمْرو، لأمهات أولاد.
وقال الذهبي: "هو أخو عثمان من الرضاعة، له صحبة ورواية حديث. روى عنه الهيثم بن شَفِيٍّ. ولي مصر لعثمان، وقيل: شهد صفين، والظاهر أنه اعتزل الفتنة، وانزوى إلى الرملة".
وكان ابن أبي سرح فارس بني عامر بن لؤي معدودا فيهم، وهو أحد النجباء العقلاء الكرماء من قريش، وكان مجاب الدعوة [1].
إسلام عبد الله بن سعد بن أبي السرح
أسلم عبد الله بن سعد بن أبي السرح قبل فتح مكة، وهاجر إلى المدينة، ولما كان يحسن القراءة والكتابة فقد غدا أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه كان يغيِّر مما كان يمليه عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فربما أملى عليه رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فكتب: {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فيقرأه رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فيقول: "كذلك الله"، ويقرّه. فافتتن عبد الله بن سعد وقال: ما يدري محمد ما يقول، إني لأكتب له ما شئت هذا الذي كتبت يوحى إليّ كما يوحى إلى محمد، وخرج هاربًا من المدينة إلى مكة مرتدًا، فأهدَر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دمه يوم الفتح.
فجاء إلى عثمان بن عفان، وكان أخاه في الرضاعة، فقال: يا أخي، إني والله قد اخترتك على غيرك، فاحبِسني ها هنا، واذْهَبْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكلّمه فيّ، فإن محمدًا إن رآني ضَرَبَ الذي فيه عيناي، إِن جُرْمي أعظم الجُرم، وقد جئتك تائبًا. فقال عثمان: بل اذهب معي. فقال عبد الله: والله لئن رآني ليضرَبنّ عنقي ولا يناظرني، قد أهدر دمي، وأصحابه يطلبونني في كل موضع. فقال عثمان: انطلق معي فلا يقتلك إن شاء الله. فلم يُرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا بعثمان آخذ بيد عبد الله بن سعد بن أبي سرح واقِفَيْن بين يديه.
فأقبل عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أمه كانت تحملني وتمشيه، وكانت ترضعني وتفطمه، وكانت تلطفني وتتركه، فَهَبْهُ لي. فأعرضَ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل عثمان كلما أعرَضَ النبي صلى الله عليه وسلم عنه بوجهه استقبله، فيعيد عليه هذا الكلام، وإنما أعرَضَ عنه النبي صلى الله عليه وسلم، إرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه لأنه لم يؤمِّنه، فلما رأى أن لا يقوم أحد، وعثمان قد أكبّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقبِّل رأسه، وهو يقول: يا رسول الله تبايعه فداك أبي وأمي. فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال "أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟" فقالوا ما ندري يارسول الله ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك ؟ قال: "إه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين"، فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام.
وجعل عبد الله بن سعد بعد ذلك كلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفر منه. فقال عثمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي، لو ترى ابن أم عبد الله يفر منك كلما رآك. فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "أو لم أبايعه وأؤمنه؟" فقال: بلى، أَيْ رسول الله، ولكنه يتذكر عظيم جُرمه في الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله". فرجع عثمان إلى عبد الله بن سعد فأخبره، فكان يأتي فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس بعد ذلك [2]، وحَسُنَ إسلامه، ولم يظهر منه بعد ذلك ما يُنْكَرُ عليه، وغدا أحد العقلاء الكرماء من قريش.
والي مصر لعثمان بن عفان[*]
كان والي مصر في خلافة عمر بن الخطاب هو عمرو بن العاص الذي حكمها ما يقرب من أربع سنوات. وتوفي عمر وهو وال عليها، وقد أقره عثمان بن عفان في بداية خلافته فترة من الوقت, وكان يساعده في عمله في بعض نواحي مصر عبد الله بن أبي السرح الذي كان مصاحبا لعمرو بن العاص منذ أيام فتوحه في فلسطين؛ حيث كان من ضمن قواده واشترك معه في فتوح مصر. وقد عينه عمر على بعض صعيد مصر بعد فتحها, ويبدو أن عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي السرح حدث بينهما خلاف في وجهات النظر، فوفد عمرو بن العاص على عثمان بعد مبايعته بالخلافة، وطلب منه عزل عبد الله بن سعد عن ولاية الصعيد، فرفض عثمان ذلك, وذكر له أن عمر هو الذي ولى ابن أبي السرح، وأنه لم يأت بما يوجب العزل، فأصر عمرو على عزله، وأصر عثمان على عدم موافقته، ونتيجة لإصرار كل من الطرفين على رأيه، رأى عثمان أن من الأصلح عزل عمرو عن مصر وتولية عبد الله بن أبي السرح مكانه، وهذا ما حدث بالفعل.
وفي هذه الظروف قام الروم بالإغارة على الإسكندرية والاستيلاء عليها وقتلوا جميع من فيها من المسلمين، فرأى أمير المؤمنين تعيين عمرو بن العاص على جيوش مصر لفتح الإسكندرية من جديد والقضاء على جيش الروم، وتم ذلك فعلا. ثم إن عثمان أراد أن يعيد عمرو على ولاية أجناد مصر وحربها, وأن يجعل عبد الله بن سعد على الخراج، إلا أن عمرو رفض ذلك. وبعد عزل عمرو بن العاص عن مصر مرة أخرى أو عن ولاية الإسكندرية على أرجح الآراء، وبعد رفضه ما اقترحه عثمان رضي الله عنه من ولايته على الأجناد وولاية ابن أبي السرح على الخراج، أقر عثمان عبد الله بن أبي السرح مرة أخرى على مصر، وأصبح هو الوالي الرسمي لمصر، والمدير الفعلي لولاية مصر بأجنادها وخراجها ومختلف شئونها، وذلك سنة 25هـ.
ويبدو أن عبد الله بن سعد تمكن من ضبط خراج مصر حتى زاد ما كان يجمعه من الخراج على ما كان يجمعه عمرو بن العاص قبله، ولعل مرد ذلك إلى اتباع عبد الله بن سعد لسياسة جديدة في المصروفات اختلفت عن سياسة عمرو، وبالتالي زادت أموال الخراج المتوافرة في مصر.
وقد كانت ولاية عبد الله بن سعد على مصر محمودة على العموم لدى المصريين ولم يروا منه ما يكرهون، يقول عنه المقريزي: "ومكث أميرا مدة ولاية عثمان رضي الله عنه كلها محمودا في ولايته".
وقال فيه الذهبي: ولم يتعد ولا فعل ما ينقم عليه، وكان أحد عقلاء الرجال وأجوادهم. وقد كانت ولاية مصر في أول أمرها هادئة مستقرة إلى أن تمكن مثيرو الفتنة من أمثال عبد الله بن سبأ من الوصول إليها وإثارة الناس فيها، فكان لهم وللمتأثرين بهم دور كبير في مقتل عثمان رضي الله عنه، كما أن الأحوال في مصر نفسها اضطربت نتيجة طرد الوالي الشرعي لها واستيلاء أقوام آخرين على الأمور بطريقة غير شرعية، وقد تمكنوا خلال تلك الفترة من بث الكراهية في قلوب الناس لخليفتهم عثمان نتيجة مكائد قاموا بها وأكاذيب لفقوها ونشروها [3].
وقال ابن يونس في تاريخه عن ابن أبي السرح: "شهد فتح مصر، واختط بها، وكان صاحب الميمنة في الحرب مع عمرو بن العاص في فتح مصر، وله مواقف محمودة في الفتوح ..". وذكره ابن سعد في تسمية من نزل مصر من الصحابة وقال: "هو أحد النّجباء العقلاء الكرماء من قريش ..".
صفوة القول إن حكم عبد الله بن سعد بن أبي السرح في مصر كان امتدادا لحكم عمرو بن العاص من حيث الاهتمام بالرعية، ورغم صمت المصادر عن ذكر الإنجازات الداخلية لابن أبي السرح في مصر إلا أننا ندرك مما ذكره ابن تغري بردي عن منسوب النيل في جميع السنين التي حكمها ابن أبي السرح اهتمام الأخير بالنيل والزراعة حتي أنه كان يرصد مقاييس النيل سنة بسنة، وذلك إدراكًا منه لأهمية النيل في حياة مصر، فكما كان يرسل الحملات من مصر فإنه كان يهتم كذلك براحة الرعية والحكم الرشيد الذي يوطد دولة الإسلام في قلوب الناس قبل أن يوطدها علي الأرض.
فاتح بلاد النوبة
كان من أهم أعمال عبد الله بن سعد بن أبي السرح غزوه لبلاد النوبة وتسمى غزوة الأساودة أو غزوة الحبشة عند بعض المؤرخين، وقد وقعت هذه الغزوة سنة 31هـ، فقد كان عمرو بن العاص قد شرع في فتح بلاد النوبة بإذن من الخليفة عمر، فوجد حربا لم يتدرب عليها المسلمون وهي الرمي بالنبال في أعين المحاربين حتى فقدوا مائة وخمسين عينا في أول معركة، ولهذا قبل الجيش الصلح, ولكن عمرو بن العاص رفض؛ للوصول إلى شروط أفضل، وعندما تولى عبد الله بن سعد ولاية مصر غزا النوبة في عام 31هـ فقاتله الأساود من أهل النوبة قتالا شديدا، فأصيبت يومئذ عيون كثيرة من المسلمين، منها عين معاوية بن حديج رضي الله عنه، فقال الشاعر يومئذ:
لَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَ يَوْمِ دَمْقَلَه *** الْخَيْلُ تعدو بالدروع مُثْقَلَهْ
فسأل أهل النوبة عبد الله بن سعد المهادنة، فهادنهم هدنة بقيت إلى ستة قرون، وعقد لهم عقدا يضمن لهم استقلال بلادهم ويحقق للمسلمين الاطمئنان إلى حدودهم الجنوبية، ويفتح النوبة للتجارة والحصول على عدد من الرقيق في خدمة الدولة الإسلامية، وقد اختلط المسلمون بالنوبة والبجة، واعتنق كثير منهم الإسلام [4]. ويعتبر عبد الله بن سعد بحق أول قائد مسلم تمكن من اقتحام النوبة، وقاتل أهلها وفرض عليهم الجزية، واستقرت الحال على ذلك في أيامه بين أهل النوبة والمسلمين.
فاتح إفريقية
وقد قام عبد الله بن سعد أثناء ولايته على مصر بالجهاد في عدة مواقع، فكانت له فتوح مختلفة لها شأن عظيم، فكان من غزواته غزوة إفريقية سنة 27هـ وفتوحه فيها, فقد وجَّه الخليفة عثمان بن عفان عامله على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى شمالي إفريقيا وقال له: "إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ غَدًا إِفْرِيقِيَّةَ، فَلَكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ نَفْلا"، فتقدم عبد الله بن سعد نحو إفريقية وقتل ملكها جرجير، وكان يصاحبه في تلك الغزوات مجموعة من الصحابة، منهم: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهم، وانتهت الغزوة بصلح مع بطريرك أفريقيا على تأدية الجزية للمسلمين. وقد عاد ابن أبي السرح إلى أفريقية مرة أخرى ووطد فيها الإسلام وذلك في سنة 33هـ [5].
وإن فتح إفريقيا يضيف نقطة بيضاء في سجل الفتح والجهاد الذي خطه بن ابي السرح، فها هو يفتح للمسلمين مجاهل لم يكن يعرفونها ويضعهم علي نقطة انطلاق في أرض البربر الواسعة الممتدة حتي المحيط والسوس الأقصي، وبذلك يسجل مساهمة حقيقية في نشر وتوطين الإسلام في الشمال الإفريقي كله، ويفتح الطريق لمن يأتي بعده لمواصلة الفتوحات.
فتح قبرص
ففي سنة 28هـ ركب معاوية بن أبي سفيان والي الشام للخليفة عثمان البحر من ميناء عكا إلى قبرص في جيش كثيف، ولحق به من الجانب الآخر عبد الله بن سعد بن أبي السرح، فالتقيا على أهلها فقتلوا خلقا كثيرا وسبوا سبايا كثيرة وغنموا مالا جزيلا جيدا، ولما جيء بالأسارى جعل أبو الدرداء يبكي، فقال له جبير بن نفير: أتبكي وهذا يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك! إن هذه كانت أمة قاهرة لهم مُلك، فلما ضيعوا أمر الله صيرهم إلى ما ترى، سلط عليهم السبي، وإذا سلط على قوم السبي فليس لله فيه حاجة، وقال: ما أهون العباد على الله تعالى إذا تركوا أمره. ثم صالحهم معاوية على سبعة آلاف دينار في كل سنة وهادنهم [6].
وهذه الغزوة تحمل منقبة عظيمة لمعاوية وعبد الله بن سعد بن أبي السرح رضي الله عنهما، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجيش: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا". قالت أم حرام بنت ملحان: قلت يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال: "أنت فيهم". وقد استشهدت أم حرام في تلك الغزوة [7].
قائد معركة ذات الصواري
هنا تكمن احدي الإنجازات العظيمة في الفتح الإسلامي التي تحسب لعبد الله بن سعد بن أبي السرح، فالمصادر تذكر عموما عن إنجازاته أنه ولي مصر وغزا فيها ثلاث غزوات كلهن لها شأن: إفريقية والأساود ويوم ذي الصواري.
لقد كان من أهم أعمال عبد الله بن سعد بن أبي سرح العسكرية غزوة ذات الصواري سنة 35هـ/655م، وقد انتصر فيها المسلمون على الروم بقيادة قسطنطين بن هرقل، الذي جاء بألف سفينة لضرب المسلمين ضربة يثأر لها لخسارته المتوالية في البر، فأذن عثمان رضي الله عنه لصد العدوان، فأرسل معاوية مراكب الشام بقيادة بسر بن أرطأة، واجتمع مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح في مراكب مصر، وكانت كلها تحت إمرته، ومجموعها مائتا سفينة فقط، وسار هذا الجيش الإسلامي وفيه أشجع المجاهدين المسلمين. حيث كانت ذات الصواري أول معركة حاسمة في البحر خاضها المسلمون، أظهر فيها الأسطول الفتيُّ الصبر والإيمان، والجَلَد والفكر السليم بما تفتَّق عنه الذهن الإسلامي من خطة جعلت المعركة صعبة على أعدائهم، فاستحال عليهم اختراق صفوف المسلمين بسهولة، وحوَّل العرب قتال البحر إلى قتال برٍّ، وربطوا السفن العربية بالسفن البيزنطية.
وصفَّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن، وجعل يأمرهم بقراءة القرآن الكريم والصبر، فوثب الرجال على الرجال يتضاربون بالسيوف على ظهر السفن، فدارت الدائرة على الروم، وانهزم فيها الإمبراطور قسطنطين الثاني، الذي حضر بنفسه المعركة، وفرَّ يطلب النجاة. سُمِّيتْ هذه المعركة بذات الصواري لكثرة صواري السفن التي شاركت فيها من الطرفين، وقد عدَّ المؤرخون هذه المعركة يرموكًا ثانية. حيث انتصر المسلمون وأصبح البحر المتوسط بحيرة إسلامية، وصار الأسطول الإسلامي سيد مياه البحر المتوسط [8].
عبد الله بن سعد والفتنة الكبرى
أخذ عبد الله بن سبأ يؤلِّبُ الناس على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعلى ولاته في مصر والبصرة والكوفة، واختلف الناس عليه، وتكلم فيه من تكلم، وقالوا: آثرَ الغرباء، وخَمَسَ الخُمُسَ، وآوى الحَكَمَ بن العاص وعبد الله بن سعد طريدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل الخليفة عثمان إلى معاوية وعبد الله وغيرهما ليشاورهم في الأمر، وما طُلِب منه وما بلغه عنهم. فسارع عبد الله إلى المدينة يريد نصرة الخليفة، وعند عودته منعه المصريون الثائرون بقيادة محمد بن أبي حذيفة من دخول مصر، وكان على تخوم مصر حين علم بمقتل الخليفة عثمان، ولما وقعت الفتنة بمقتل عثمان رضي الله عنه اعتزلها عبد الله بن سعد وسكن عسقلان، أو الرملة في فلسطين.
وفاته رضي الله عنه
روى البغوي بإسناد صحيح عن يزيد بن أبي حبيب قال: خرج ابن أبي السرح إلى الرملة بفلسطين، فلما كان عند الصبح قال: اللهم اجعل آخر عملي الصبح، فتوضأ ثم صلى، فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن والعاديات، وفي الثانية بأم القرآن وسورة، ثم سلم عن يمينه ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه رضي الله عنه، وكان ذلك سنة 36 أو 37هـ / 657م [9].
منقول