[frame="4 10"]كيف حققت الدولة العثمانية كل الفتوحات حتى اكتسحت دول أوروبا والدول الغربية في طرفة عين؟ أنتم تعلمون كيف فعلوا ذلك تاريخياً؟ أتوا بصبيان وأدخلوهم في مدارس دينية عسكرية، وكان من هؤلاء الصبيان كثير من النصارى الذين أسلموا وتعلَّموا الدين وتعلموا العسكرية وربُّوهم على الفدائية والرغبة فيما عند الله والزهد في الدنيا .. ما كان إسمهم؟ الإنكشارية .. أليس هؤلاء هم الجيش الذى حقق هذا النصر كله.
هل حقق ذلك بخبرته العسكرية فقط أم بتربيته؟ بالتربية التى تربى عليها، وهذه التربية هي التي حققت هذا الفتح حتى وصلوا إلى فييـنّا في النمسا الآن واكتسحوا الكثير من الدول الأوروبية، ومن الجهة الأخرى وصلوا شاطئ المحيط الأطلسي، وأيضاً اكتسحوا أغلب الدول العربية بماذا؟ بهذه الروح التى تربوا عليها التربية الإيمانية.
وكان السلطان العثماني سليم أيضاً من أهل هذه التربية، فلذلك أول ما دخل الشام سأل عن مكان قبر مُحي الدين بن عربي، وكان قد قيل: إذا دخلت السين في الشين ظهر قبر محي الدين، فظهر أن السين ترمز للسلطان سليم، والشين هى الشام، فلما دخل سليم الشام بحث عن القبر وجدَّده فأسَّسه وبناه وجعله على الهيئه التى عليها الآن لعقيدته في الصالحين، وكان السلطان سليم حريصاً على أن يحظى بمفتاح الحرمين، وهو أوَّل من تسمّى بخادم الحرمين الشريفين لأن مناه وشرفه العالي هو أن يكون في خدمة الحرمين.
حتى آخر سلاطين العثمانيين وهو السلطان عبد الحميد، وكان له شيخاً من بلاد الشام، أرسل إلى شيخه رسالة؛ وهى محفوظة إلى الآن، ذكر له فيها سبب زوال خلافة العثمانيين، وقال له فيها: {أن اليهود جاءوه يساومونه لأخذ فلسطين وطناً لهم، فرفض قائلا: لا أبيع مجد آبائى وأجدادى بالمال} فماذا كتنت النتيجة؟
فدبروا له مؤامرة للقضاء عليه، وتعرف بقصة الرجل المريض وأسقطت الخلافة العثمانية واشترت أوروبا ولاء قواد وزعماء المنطقة بالمُلك و الثروة بعد إلغاء الخلافة، وتزعَّم الأمر مصطفى كمال أتاتورك وكان من يهود الدُونمة ؛ فألغى اللغة العربية، وجعل تركيا دولة علمانية صرفة وفعل فيها الأفاعيل، ولكنه لم يستطع أن يقتلع الدين من نفوس الأتراك وهاهم يعودن إلى الأضواء من جديد وستشرق شمسهم ثانية قريباً إن شاء الله.
وحتى في عصرنا الحديث كان أمر التربية هو المبدأ الذى ركَّز عليه الشيخ حسن البنا دعوته فيمن تبعوه، ومن علمائهم الشيخ سعيد حوى قد ألفَّ كتاباً أسماه {تربيتنا الروحية} كان يؤكد فيه: لا بد من التربية لا بد من التربية
وأنتم رأيتم مثالاً قريباً جداً في زماننا هذا: رجل وهو لا يزال حياً يرزق وهو المشير سوار الذهب في السودان الشقيق، رأى الأمور تنحدر في بلده فقام بإنقلاب ليُعيد الأمور إلى مجاريها، وأجرى الإنتخابات ثم سلَّم السلطة للرئيس المنتخب وترك الميدان، لماذا؟ لأنه تربَّى تربية صوفية. لكن لو تربّى في المدارس الأجنبية أوالمدن الأوروبية وحسب، هل سيتصرف بهذه الكيفية؟ في الأغلب لا، لأنه يريد الجلوس على الحكم للأبد وكل من حوله يعظمه ويبجله ويكبره.
وهنا أّذكر قصة مؤثرة: كيف كانت أوروبا تراقب التربية الإيمانية للمسلمين لأبنائهم في الأندلس ليعرفوا متى يهاجمون ليستعيدوها؟ وطال ذلك خمسمائة عام، كانوا يرسلون الجواسيس ليختبروا شبابهم، ويذكر التاريخ أنَّ جاسوساً لهم في غرناطة قابل صبية يلهون بصيد الطيور بالسهام، منهم طفلٌ يبكى بحرقة، فسأله؟ قال: إنَّ أصحابى يعيروننى أنى أصيد بالسهم طائراً واحداً وهم يصيدون إثنين، فعاد وأخبرهم ألا طاقة لكم بهم فلهو صبيانهم ضرب النبال وبكائهم إن صادوا أقل من طائرين بالسهم
وبعد سنوات كثر ذهب آخر يتجسس فوجد شاباً يبكى؟ فسأله؟ فردَّ: ضاع منديل حبيبتى، فعاد الجاسوس وقال: على مناديل الأحبة تبكى شبابهم، الآن قد فسد أمرهم؛ وجاء وقتهم، وذهبت دولتهم وضاع مجدهم، وصدق فلم تمض إلا سنوات وانهار المجد وهذا حقاً هو الفارق نتيجة التربية الإيمانية الإسلامية
إذاً التاريخ كله يؤكد أن نهضة أمتنا ورفعة شأنها لا يتم إلا بالتربية التى كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه،.وهى أمر لا يتم إلا بأيدى رجال ورثوا قول الله: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يوسف108
هؤلاء الرجال المربّون إذا وُجدوا والتفّ حولهم طلاب الحقيقة العلية نجت الأمة من الفتن وظهرت في الأمة الطاقات الموجودة من الكريم الخلاق المتوارية في الأجسام التى تدين بدين الله .. لكن أين هى التربية الآن ؟ وهذا هو الفيصل، لو وُجدت التربية فلن تجد تنافساً في الفاني ولا رغبة في شيء داني، وإنما الكل يسارع في مصلحة الكل، يفنى عن الأنانية والأثرة ومصلحته الشخصية في سبيل المصلحة العامة التي يرجوها في هذه الأمة ولهذا الوطن الكريم الذى نعيش عليه .
ولذلك أنا أرى كما رأيتم الآن أننا لامخرج لنا مما نحن فيه الآن إلا رجالاً بهذه الكيفية تجردوا من المطامع والأهواء الشخصية والنزوات الفردية والرغبة في المظاهر الكاذبة وصاروا لا يريدون إلا وجه الله ليقودوا قاطرة التربية الإيمانية ويكونوا رجالاً صالحين يقودون الأمة في المهمة الإصلاحية تماما كما حدث من قبل، ويسعد آخر هذه الأمة بما سعد به أولها.
[/frame]